توفّي قبل قليل المجرم ديك تشيني، مهندس أكاذيب القرن الجديد والعقل المدبّر لغزو العراق الذي بُني على تلفيقات عن ما يسمى أسلحة دمار شامل وارتباط مزعومٍ بالقاعدة. رحل الرجل الذي شرعن التعذيب، وأدار حروبًا من سراديب البيت الأبيض لحساب الشركات النفطية التي راكمت المليارات على أنقاض بغداد. لم يكن سياسيًا بقدر ما كان تجسيدًا لوحش الإمبراطورية الأميركية: كذبٌ متقن، ونهب مقنّن، واحتقا للشعوب.. رحل بعد أن ترك وراءه مليون قتيل ودولة مدمّرة حتى اليوم عم بتنزف.. رحل جسدُه، لكن إرثه سيظلّ رمزًا لانحطاط عصر خُيّل لأهله أن الكذب يُصنع به مجدٌ دائم..
واخدة من أعنف اللحظات الصادمة في وعيي أثناء حرب العراق عندما استضافته قناة ABC News عام 2008 خلال برنامج This Week مع الصحفية مارتا راديتز، سُئل ديك تشيني عن أن ثلثي الأميركيين يعارضون الحرب على العراق، أجاب ببرود مذهل So? يعني وشوفيها! ال SO هاي تخبرنا جميعًا مدى احتقار هذا العالم المتحضر للديمقراطية والرأي العام مادامت ضد الآلة العسكرية لوحش الاستعمار الممتد فوق بلادنا. وبعدها قال عبارته الشهيرة الحقيرة You can’t run a war based on public opinion polls أي لا يمكنك إدارة حرب بناءً على استطلاعات الرأي.. احتقار مطلق لرأيي ورأيك ورأي الجميع مادام لا يتماهى مع ربكم الأعلى في البيت الأبيض.. ولما سُئل تشيني عن برنامج التعذيب في غوانتانامو وأبو غريب وما إذا كان يندم على تلك السياسات أجاب بكل برود I think it was the right thing to do. I have no regrets. I’d do it again in a minute أي أعتقد أنه كان الشيء الصحيح لنفعله. لا أشعر بأي ندم، وسأفعله مجددًا دون تردد! دون تردد؟ عنجد؟ يا لتفاهة الشرّ لما يتحول لفعل وحشي روتيني إداري حقير تحت عنوان الأمن القوي.
رحل جسد الكذب.. لكن جريمته بعدها باقية تشهد على أن أمريكا لا تحارب من أجل الحرية.. لا تدعم ثورات ولا تحررك من ديكتاتوريات ولا ترغب إلا بإضعافك وتفتيك وسرقة تاريخك.. إلى الجحيم من أوسع أبوابه.