“الحقيقة لا تحتاج إلى نيويورك. يمكن قولها من هنا، من المكان الذي هزم الظلم”، هكذا أعلنت من كيب تاون امرأة عظيمة غير عربية وغير مسلمة لكنها دخلت التاريخ، وجلّلت زعماء عرباً بالخزي والعار. امرأة إيطالية هي أقرب إلى نخوة العرب وروح الإسلام منهم ومن ملء الأرض من مثلهم.
————————-
اختارت المقرّرة الخاصّة للأمم المتحدة المعنيّة بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا لتقديم تقريرها الأخير بعد أن منعتها الولايات المتحدة من دخول أراضيها، ضمن عقوبات فرضتها عليها.
ويتهم التقرير، الذي يزيد على 50 صفحة، 63 دولة وعدداً من المنظمات والشركات، بالتواطؤ في الإبادة الجماعية في غزة، مشيراً إلى أن التواطؤ “ليس الفعل المباشر وحده، بل يشمل أيضاً: الصمت، الدعم المادي، الحماية الدبلوماسية، والتجارة مع الظالم”. ينتقد التقرير استمرار بعض الدول في التعامل مع الكيان الصهيوني رغم قرارات محكمة العدل الدولية. وتضمّ قائمة المتواطئين دولاً أوروبية كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ودولاً عربية استمرّت في التطبيع والتعاون الأمني مع الكيان، فضلاً عن شركات كبرى مثل غوغل وأمازون ومايكروسوفت، التي وفّرت خدمات تكنولوجية لحرب الإبادة.
وألقت ألبانيزي، في كنيسة “غروت كيرك” خطبةً مؤثّرة أكدت فيها أن ما يتعرّض له الفلسطينيون “لا مثيل له في التاريخ الحديث”، داعية إلى خطوات عملية تشمل المقاطعة الاقتصادية.
وتستضيف جنوب أفريقيا (التي قطعت علاقاتها مع الاحتلال ورفعت دعوى ضدّه أمام محكمة العدل الدولية) ألبانيزي في مؤتمرٍ شاركت فيه مؤسسات دينية وحقوقية، أبرزها مؤسسة نيلسن مانديلا وحركة المقاطعة العالمية “بي دي إس”.
انتقدت ألبانيزي موقف الحكومة الأميركية منها، قائلةً إنها جمّدت حساباتها البنكية، ومنعتها من دخول أميركا رغم أن ابنتها أميركية، وزوجها يعمل في منظمة مقرّها أميركا، مضيفةً: “العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليّ إهانة، ليس لي فقط، بل للأمم المتحدة أيضاً”، مقارنةً تلك العقوبات بـ “أساليب المافيا” في إيطاليا، مسقط رأسها، حيث تقوم العصابات بـ “تشويه سمعة شخص ما، لردعه عن الاستمرار في الانخراط في قضايا العدالة”.
في 27 تشرين الأول/أكتوبر ألقت ألبانيزي محاضرة في جامعة كيب تاون دعت فيها إلى مقاطعة الكيان أكاديمياً، وحماية حرية التعبير للطلاب والأساتذة المؤيدين لفلسطين. وفي اليوم التالي قدّمت تقريرها الجديد “غزة: إبادة جماعية”، من مركز ديزموند توتو في كيب تاون، قائلة: “الحقيقة لا تحتاج إلى نيويورك. يمكن قولها من هنا، من المكان الذي هزم الظلم”.
ووجهت ألبانيزي رسالة إلى الفلسطينيين جاء فيها: “نضالكم يُرى، صمودكم يُجَل، والعالم يستيقظ معكم”، داعية إلى إنفاذ القانون الدولي، وفرض عقوبات على الاحتلال مشابهةٍ لتلك التي فُرضت في الماضي على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وأعلنت ألبانيزي في ختام المؤتمر: “يجب أن تكون هذه آخر إبادة جماعية في تاريخ البشرية”، مشيدةً بمواقف جنوب أفريقيا من الاحتلال قائلةً إنها “أنموذج يجب أن يُحتذى”، مضيفةً أنّ العدالة لفلسطين “ليست خياراً، بل التزام قانوني وأخلاقي”، وأن حركة المقاطعة العالمية تكتسب زخماً، وأن نهاية الفصل العنصري الإسرائيلي “مسألة وقت”.